11 مايو 2014

هل MBC فضائية سعودية..؟!

هل MBC فضائية سعودية..؟! 


    من المتفق عليه أن رأس المال السعودي هو الأقوى في الإعلام العربي، غير أن التوصيف يختلف إذا ما تكلمنا عن الإعلام السعودي..! فبالرغم من قوة رأس المال ووجود كوادر إعلامية سعودية أثبتت تميزها في الأداء والقدرات، إلا أن هنالك حالة نفور غير مفهومة من الأول تجاه الثاني.. ولا يمكن التعبير عن هذا النفور إلا بقولهم "عنز الفريج ما تحب إلا التيس الغريب"..! وفي حالات معدودة لاستثمار رأس المال السعودي في كوادره الوطنية نجد أنه يستثمر ما يقال عنه "رفع عتب" لا أكثر.. وإلا كيف تفسر الحالة الفنية الضعيفة لروتانا خليجية، مثلا، مقارنة بالسخاء الفني والتقني من قبل ذات المستثمر السعودي على المؤسسة اللبنانية للإرسال LBC؟! فمتابعة برنامج (قضية رأي عام) للصديق الإعلامي المتميز ياسر العمرو تشعرك بالأسى إذا ما قارنت برنامجه من الناحية الفنية ببرنامج ببيروت B Beirut مثلا..!

     ولو أخذنا مجموعة الشرق الأوسط للإرسال MBC كمثال نكثف النظر فيه، باعتبار أنها أضخم مؤسسة إعلامية عربية ذات ملكية سعودية، أظن أننا سنجد أن السعوديين لا يمثلون فيها إلا أقل مما نسبته 1% ..! تخيلوا مؤسسة سعودية يمثل السعوديون فيها أقلية قليلة..! مع العلم أن السوق السعودية لهذه القناة من أكبر أسواقها عربيا.. فمجموعة MBC لم تترد بتخصيص قناة خاصة بالشقيقة مصر تملؤها بالأشقاء المصريين، في حين أنها ترمي للسعوديين فتات برامجها في زحمة قنواتها الثمان والعشرات من برامجها..! فالقناة الأم للمجموعة MBC1 لا تخص المشاهد السعودي إلا ببرنامجين (الثامنة وبدون شك) يصورا في وقت الذروة السعوديين بشعب مليء بالمآسي وضياع الحقوق ويظهر الدولة السعودية بالمفرطة والمقصرة بل والفاسدة في بعض الأحيان..! والمخجل أن البرنامج الثاني هو برنامج مسروق من قناة المستقبل اللبنانية (التي يملكها رجل أعمال سعودي/لبناني!) هو برنامج "ع الأكيد"..!

     مع غياب السعودية هوية وثقافة وكادر عن مجموعة MBC، لا تكاد تسمع لعاصمتها الرياض ذكر ولا حتى تحية في برامجها الأشهر التي تتغذا من مال الرياض. في حين أن "بيروت" تنال نصيب الأسد من التبجيل والذكر والتحايا في القناة السعودية..! وبالنظر لهوية MBC وبرامجها وغالب العاملين فيها تكاد تجزم أنها قناة غير سعودية.. بل أن المخجل أن المجموعة توظف وتستثمر في عشرات الإعلاميين والفنانين ممن ينتمون لتيارات حزبية وطائفية تعادي السعودية، فهل ننسى حملة MBC للترويج لمسلسل دريد اللحام، وهو الفنان الداعم لنظام الأسد الدموي الذي لم يدخر جهدا في الاساءة للسعودية وتسخير آلته الإعلامية لذلك.. وهل ننسى ثمرة سذاجة MBC في دعم وتسويق واشهار نجدت انزور الذي عض اليد التي أطعمته من خلال فيلم (ملك الرمال)..؟! بل أن الشمطاء رغدة لم تجد لها مكانا في الإعلام العربي لتظهر من الغياب وتهاجم أعداء الأسد وعلى رأسهم السعودية، إلا في MBC..! ومن الصعوبة بمكان حصر الفنانين والإعلاميين الداعمين لحزب الله الارهابي الذين تروج لهم MBC وتبرزهم في قنواتها على حساب السعوديين المغيبين..!

    ملف MBC ودورها المسيء للسعودية شعبا ودولة، من حيث تدري أو لا تدري، يجب أن يطرق باستمرار وتوسع وتفصيل حتى تصحح وضعها على جميع الأصعدة، ولنجد جوابا عن سؤالنا: هل MBC فضائية سعودية..؟!

ودمتم بود..

@AlmaymonyF

2 أكتوبر 2012

الرد على المعترض على حديث (خلق الله آدم على صورته)

       الرد على المعترض على حديث (خلق الله آدم على صورته)



     الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على أشرف الأنبياء وخير المرسلين، وعلى آله الطاهرين وصحبه أجمعين، وبعد:

     فيروى أن رجلا أراد الشهرة فقدم مكة في موسم الحج وحسر عن عورته أمام الناس وبال في بئر زمزم! وفي الحديث عنه عليه الصلاة والسلام: (من لبس ثوبَ شهرةٍ في الدنيا ألبَسَهُ اللهُ ثوبَ مَذَلَّةٍ يومَ القيامةِ) رواه أحمد في مسنده من حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، ومن نكد زماننا تسارع بعض الناس إلى الشهرة والتهافت عليها كتهافت الفراش في النار؛ فسلكوا في ذلك كل مسلك محرم ولم يبالوا، ومن أسوأها الافتيات على الشريعة الغراء والتعدي على كتاب الله سبحانه وتعالي وعلى سنة من لا ينطق عن الهوى صلوات ربي وسلامه عليه، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
      شغب المدعو عدنان إبراهيم، أحد المشتهرين هذه الأيام بالتعدي على أحاديث الحبيب عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، على حديثٍ رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (خلق الله آدم على صورته، طوله ستون ذراعا، فلما خلقه قال: اذهب فسلم على هؤلاء النفر، نفر من الملائكة جلوس، واسمع ما يجيبوك؛ فإنها تحيتك وتحية ذريتك، قال: فذهب فقال: السلام عليكم، فقالوا: عليك السلام ورحمة الله، قال: فكل من يدخل الجنة على صورة آدم عليه السلام وطوله ستون ذراعا، فلم يزل الخلق ينتقص بعد حتى الآن)، وطعن في الحديث من عدة أوجهٍ أشير إليها وأجاوب عنها بما يعين الله به ويوفق، فأقول:
-               من أول ما طعن به المتطاول على سنة الحبيب عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث أنه من رواية همام بن منبه عن أبي هريرة رضي الله عنه، وأن هماما كان يهوديا فأسلم، وأن هذا الحديث من دسيس الإسرائليات! فهو يُعرّض بأن هماما قد كذب هذا الحديث على رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه ليوافق ما في توراة اليهود، وأقول: ستلتقي وهماما بين يدي الله يوم لا ينفع مال ولا بنون فيقتص الله للمظلوم من الظالم، وقد خاب من حمل ظلما! فهمام بن منبه تابعي ثقة روى عنه علماء الإسلام وقبلوا حديثه وذكروه في الثقات، وهو من القرون الثلاثة المفضلة كما قال عليه الصلاة والسلام: (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم) رواه البخاري. وطعنُ المتطاول في همام بن منبه هو تبع لطعنه في صحابة رسول الله عليه الصلاة والسلام ورضي الله عنهم أجمعين، وما أراه إلا أعد العدة ليطعن صراحة في أبي هريرة رضي الله عنه - وقد سبق له استنقاصه والتعريض به وأنه ما كان يأتي النبيَّ عليه الصلاة والسلام إلا ليأكل لا للعلم، وأنه يروي عددا من الأحاديث لا يعقل أنه سمعها من النبي!- وقد روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله، ادع الله أن يحببني أنا وأمي إلى عباده المؤمنين، ويحببهم إلينا. قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم حبب عُبيدك هذا- يعني أبا هريرة- وأمه إلى عبادك المؤمنين، وحبب إليهم المؤمنين) فما خلق مؤمن يسمع بي ولا يراني إلا أحبني! فوالله ثم والله ثم والله ثلاث لا أحنث فيها أن من لا يحب أبا هريرة ليس بمؤمن، وهل يطعن المحب فيمن يحب؟! لا والله. وقد روى مسلم وأحمد وابن حبان والبيهقي وابن راهويه وابن خزيمة وابن أبي عاصم وغيرهم حديثَ الصورة من عدة طرق صحيحة ثابتة عن أبي هريرة غير طريق همام بن منبه، والطعن في جميع رواة الحديث الثقات بطرقه المختلفة يستحيل لأنه جنون وسفه وإن كان المتطاول ليس بعيدا عنه! وحينها نعلم يقينا أن الطعن في همام هو كبيرة وظلم تجب التوبة منه، وإن أصر الطاعن أن هذا الحديث من "دسيس الإسرائليات" فليس له إلا أن يتهم أبا هريرة أنه  هو من كذب هذا الحديث! وحاشى أبا هريرة أن يكذب على رسول الله صلوات ربي وسلامه عليه؛ فهل علمت أيها القارئ الكريم من هو الكذّاب الأشر هنا؟! ولتعلم يقينا من هو الكذاب الأشر أقولُ وأكملُ:

-               ثم طعن المتطاول في أول الحديث (خلق الله آدم على صورته) وأن الشبهة حول كذب همام بن منبه لهذا الحديث قائمة وأنه أراد (صورة الرحمن) كما صرح في بعض طرق حديث أبي مسعود الأنصاري عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: (لا تضربه، فإن الله خلق آدم على صورته!)، ولا أخفيكم أنني أول مرة أسمع بحديث أبي مسعود الأنصاري هذا، والمشهور عنه رضي الله عنه هو حديث (اعلم أبا مسعود) وليس فيه (لا تضربه، فإن الله خلق آدم على صورته) ولا قريب منه، لكن اتهمت نفسي بالتقصير في مطالعة كتب السنة، وكنت حينها لا أزال أظن أن في المتطاول بقية خير أو علم ترده عن كذب الأحاديث؛ فبحثتُ عن حديث أبي مسعود هذا في عشرات المسانيد وكتب الصحاح والضعاف بل وحتى الموضوعات فلم أجد حديثا لأبي مسعود الأنصاري فيه (لا تضربه، فإن الله خلق آدم على صورته)! والمصيبة أن المتطاول يذكر أن للحديث عدة طرق صرح همام بن منبه، أو أبو مسعود الأنصاري، في بعضها أن الله خلق آدم على (صورة الرحمن)! فانظر كيف يفضح اللهُ كذبَ من يتهم حفظة السنة بالكذب في نفس المقام والدقيقة! وسيأتي مزيد بيان لتعالم وجهل المتطاول على سنة الحبيب عليه الصلاة والسلام وعلى رواتها الثقات من أئمة الدين في نقاط قادمة، إلا أنه يليق بحال المتطاول أن أورد للقراء الكرام حديثا صحيحا رواه البخاري بسنده عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت)!

-               اختلف العلماء في تحديد على من يعود الضمير في قوله (خلق الله آدم على صورته) على ثلاث أقوال:
أ/ أنه عائد على الخالق سبحانه وتعالى، أي على صورة الله.
ب/ أن الضمير عائد على آدم، أي أن الله خلق آدم على صورة واحدة لم تتغير.
ج/ أن الضمير عائد على صورة المضروب، أي أن الله خلق آدم على صورة المضروب فلا تضربه على وجه خُلق آدمُ على صورته.
     وقد قال بهذه الأقوال الثلاث علماء أهل السنة، علما أن الأشعرية رفضوا القول الأول لمسلكهم في نفي وتأويل الصفات التي أثبتها الله عز وجل لنفسه وأثبتها له رسوله عليه الصلاة والسلام. وإثبات الصورة لله تعالى ثابت في الأدلة الشرعية كثبوت صفات السمع والبصر واليد وغيرها من الصفات التي يثبتها أهل السنة ولا ينفونها ولا يحرفون معانيها وينزهون الله سبحانه وتعالى أن يشابه خلقه أو يماثلهم، فمعاني الصفات معلومة مفهومة أما الكيفية فلا يعلم كنهها إلا هو سبحانه كما نص على ذلك أئمة الإسلام وشيوخه من العلماء، ومن ينفي الصفات، كهذا المتطاول، وقعوا فيما رموا أهل السنة به من التشبيه حاشاهم، فهؤلاء النفاة أثبتوا المشابهة بين صفات الخالق والمخلوق وصوروها في أذهانهم أولا ثم نفوها تنزيها لله زعموا! لذا تجدهم دوما والعياذ بالله إذا تكلموا عن صفات الله أشاروا بكلامهم وحركاتهم إلى صفات الإنسان المخلوق الجسدية كما فعل هذا المتطاول. أما أهل السنة فلا يقع التشبيه في أذهانهم لإيمانهم بقوله تعالى: (ليس كمثله شيء) فهم يحترمون كل الأدلة ولا يحرفون الكلم عن مواضعه ويثبتون ما أثبته الله لنفسه دون أن يطرأ على أذهانه أي تشبيه لله بخلقه. ففرق بين اختلاف علماء السنة في تحديد الضمير في (صورته) لما يترجح لهم في المعنى وشواهد الأدلة الشرعية الأخرى، وبين اختلاف الأشاعرة لتأويل الصفة، وإن كان في الأشاعرة علماء مجتهدون أخطأوا في اجتهادهم إلا أن هذا المتطاول أخذ عنهم ما أخطأوا فيه من نفي الصفات وزاد عليه من قبيح صفات الرافضة في الطعن بالصحابة وسيء صفات المعتزلة في تحكيم العقل القاصر على الأدلة الشرعية وصفات بشعة أخرى تفتقت عنها سريرته.

-               الراجح أن الضمير في حديث (خلق الله آدم على صورته) أنه عائد على الله، وهذا هو اختيار أئمة أهل السنة من المتقدمين والمتأخرين، وأن هذه الإضافة لله على معنيين:
الأول: إضافة تكريم وتشريف كبيت الله وناقة الله.
الثاني: أن الصورة بمعنى الصفة، وهو معلوم من كلام العرب مثبت في أشعارهم ومعاجم اللغة، أي أن الله خلق آدم على صفاته سبحانه من سمع وبصر وعلم.
     ومعلوم أن المثل لا يلزم منه المشابهة ولا المطابقة بحال؛ فأنت تقول أن أن القصر كالخيمة بجامع السكن مع عدم المشابهة والمطابقة، والحمار كالسفينة بجامع الركوب كذلك. وقد صحت وثبتت نسبة الصورة إلى الله عز وجل في غير هذا الحديث، فقد أخرج الشيخان بألفاظ متقاربة عن أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما حديث مجيء الرحمن يوم القيامة على صورة يعرفها عباده المؤمنون، كما في نص رواية أبي هريرة عند مسلم قال: قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: (فيأتيهم الله تعالى في صورته التي يعرفون فيقول : أنا ربكم فيقولون : أنت ربنا فيتبعونه..)، فنسبة الصورة لله سبحانه وتعالى ثابتة في الأدلة الشرعية كبقية صفاته سبحانه، لكن المتطاول ينفي صفات الرحمن وليس فقط الصورة، فتنبه.

-               ثم أورد المتطاول استشكال ابن حجر لمسألة طول آدم عليه السلام في هذا الحديث (ستون ذراعا) ليستخدم هذا الاستشكال في طعنه على الحديث برمته، وهنا فرق دقيق؛ فلا يزال العلماء قديما وحديثا يستشكلون معانٍ في الأدلة الشرعية ولا يطعنون فيها؛ ففرق بين الاستشكال بعلم والطعن بجهل! ولهذا تجد للعلماء كتبا وأبوابا كثيرة في بحث مشكل التفسير ومشكل الحديث، ولا تجد واحد يجرأ أن يرد دليلا شرعيا بسبب استشكاله، فالمتطاول هنا بين خيارين: إما أن يتهم جميع علماء الأمة بالغباء والجهل لعدم ردهم الأدلة الشرعية مع مخالفتها للعقل صراحة بزعمه وأنه هو الوحيد الذي يفهم ويعقل، وإما أن يقر بأنه جاهل ومتجاوز لقدره ومفتات على الأدلة الشرعية وأن الأولى به طلب العلم على أصوله والتوبة إلى الله من تطاوله على دينه.

-               وبعد إيراد استشكال ابن حجر لمعنى الحديث، جاء المتطاول ليتشدق بكلام يظنه علم من السماء لا معقب له، وقد قال الشعبي: (العلم ثلاثة أشبار؛ فمن نال شبراً منه شمخ بأنفه وظن أنَّه ناله، ومن نال منه الشبر الثاني صغرت إليه نفسه وعلم أن لم ينله، وأما الشبر الثالث فهيهات لا يناله أحداً أبداً) وقيل أن من نال الشبر الثاني علم أن هنالك علما لا يعلمه، وأن من نال الشبر الثالث علما أنه لا يعلم شيئا! لذا فتجد كثيرا ممن جمع نتفا من العلم شمخ بأنفه وتكبر وظن أنه العالم الأوحد والخبير الأفهم، وهذا آفة جهلة المبتدئين في كل العلوم، وكل ما زاد علم الإنسان زاد تواضعه، والناظر في حال هذا المتطاول يجد فيه من العجب بالنفس والتكبر والاعتزاز المزيف بالذات ما يجب على العاقل أن يخشى مجالسته كي لا يعمه الله بعقاب ينزله على المتطاول في حضرته، كيف لا يخشى المسلم هذا وقد قال الله تعالى عن عجب قارون بنفسه وتكبره: (فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الصَّابِرُونَ * فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ)، بل بلغ في حال هذا المتطاول وكبره وعجبه بنفسه أن يحدث الناس بكراماته ومعجزاته وأن الإنس ليسوا وحدهم من يلجؤون إليه ويستفتونه ويتبركون بدعائه بل أن حتى الجن يقصدونه في ذلك!.

-               ثم أورد المتطاول كلاما يحسبه الظمآن ماءا، فإذا دقق فيه الباحث عن الحق وجده سرابا، وهذه عادة أهل الأهواء، كما أورد استشكال ابن حجر وبنى عليه باطلا من عنده؛ فهو الآن يورد قوانين استقرائية من علمي الأحياء ووظائف الأعضاء ليجعلها حكما على أحاديث المصطفى عليه الصلاة والسلام الموحى إليه من رب الكون سبحانه! فاعترض على حديث خلق آدم و(طوله ستون ذراعا) بقانون أبعاد الكائن الحي أو ما يسمى بقياس التنامي، وأول ما يجاب عنه هو أن أحاديث خلق آدم وطوله ستون ذراعا وأن أهل الجنة على طول آدم ستون ذراعا جميعها في عالم السماء حيث لا تنطبق عليها قوانين الأرض؛ فلماذا هذا السعار إلى رد الحديث وتكذيبه؟ ألم يكن من الممكن أن يوفق المتطاول بين قانون أبعاد الكائن الحي وبين أن آدم خُلِق وطوله ستون ذراعا بالقول أن آدم كان بهذا الطول في السماء وليس في الحديث إشارة إلى أن هذا هو طوله في الأرض؟! نعوذ بالله من عمى البصائر وران القلوب الذي يدفع إلى تكذيب الأدلة الشرعية. كما أن قياس التنامي وقانون أبعاد الكائن الحين تتداخل فيها عوامل مؤثرة كثيرة وتختلف بالنسبة للكائنات الحية المختلفة، فعلماء الأحياء يقولون بإستحالة وجود إنسان بهذا الطول تحت الظروف الحالية وبنفس شكل وطريقة عمل وظائف الأعضاء، وأنه لو قُدر وجود إنسان بهذا الطول فلن يكون مشابها للإنسان اليوم، وإذا سألنا أي مسلم موحد عن قدرة الله على تغيير قوانين الطبيعة وتبديلها في أي لحظة لأجاب أن الله قادر على ذلك وهو بديع السموات والأرض، وسيفجع القارئ أن المتطاول يقول بما فحواه أن الله قادر أن يخلق ويغير قوانين الطبيعة إلى الأسوأ وليس في الإمكان خلق وتغيير إلى الأفضل بناء على قاعدة "ليس في الإمكان أفضل مما كان" التي يدافع عنها، تعالى الله عما يقول علوا كبيرا! وعودا على كلام علماء الأحياء، فيجب التنبيه هنا أن علماء الأحياء في الغرب واقعون ومقرون بنظرية النشوء والتطور وأن الإنسان لم يخلق خلقا مستقلا وأنه تطور من سلالة القردة، ومجرد إقرارهم بإحتمالية وجود إنسان طوله أضعاف الإنسان الحالي هو هدم لنظريتهم؛ فتجد غالبيتهم يستميت في الدفاع عن قانون أبعاد الكائن الحي وأنه قانون مقدس فقط لكي لا يمس جناب نظرية داروون بسوء، في حين لا يتردد المتطاول لحظة في رد الأدلة الشرعية بناء على نظريات الملاحدة! ولذلك في أي نقاش مع كثير من المختصين في علم الأحياء حول إمكانية وجود إنسان أكبر حجما منا بأضعاف؛ يُهاجم المناقش ويسائل عن هدفه من هذا النقاش لعلمهم أنه سيهدم ركنا أساس من نظرية داروون للنشوء والتطور، ومع هذا وتحت ضغط المنهج العلمي يقر المحايد منهم بإمكانية وجود إنسان ضخم في ظروف مختلفة وبشكل وقدرة لوظائف الأعضاء مختلفة. علما أن علماء الآثار والأحافير وجودوا أحافير لكائنات حية يعادل حجمها وطولها أضعاف حجم جنسها اليوم، فقد نشر موقع البي بي سي قبل ستة أشهر في شهر أبريل/ نيسان 2012 عن اكتشاف معهد سميثسونين للأبحاث أحافير لثعبان طوله 30 متر مع العلم أن متوسط طول الثعابين اليوم هو 1,5 متر! كما أن جامعة نورث كالورنيا أعلنت في موقعها قبل خمسة أشهر في شهر مايو/ آيار 2012 عن اكتشاف أحافير لسلحفاة حجمها يقارب حجم سيارة صغيرة، وهو ما يعادل أربع أضعاف معدل حجم أضخم السلاحف اليوم! بل قبل ست سنوات تقريبا أعلن موقع البي بي سي عن اكتشاف فريق أبحاث سوري-سويسري مشترك عن أحافير في صحراء سوريا لجمل هو أكبر بضعفين من حجم الجمل في زماننا هذا! فكيف يفسر المتطاول هذه الاكتشافات العلمية وفق قوانين الأحياء وظروف الطبيعة المحيطة وقدرة وظائف أعضاء الكائنات الحية المماثلة اليوم؟! وأختم الرد في هذه النقطة بسؤال المتطاول عن رأيه في قول الحق سبحانه وتعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا)؟ وهل يعقل بقوانين الأحياء ووظائف الأعضاء والطب اليوم أن يعيش الإنسان أكثر من ألف سنة؟ أم أن هذه الآية من دسيس الإسرائليات كذلك وأن القرآن محرف؟

-               وآخر طعون المتطاول على هذا الحديث هو طعنه في آخره (فلم يزل الخلق ينتقص بعد حتى الآن)، والرد على هذه النقطة متعلق بسابقتها، إلا أنني أفيد القارئ الكريم بأن هذه المسألة متفق عليها في العلم الحديث، بغض النظر عن نسبة التناقص، فالتناقص حقيقة علمية مثبتة أم الاختلاف فهو حول هذه النسبة، في حين أن المتطاول ينفي هذا كله ويعتبره كذبا؛ فإن لم يؤمن بصدق أحاديث المصطفى عليه الصلاة والسلان، فلعله يخضع ويقر بحقائق علم ملاحدة الغرب الذي يجعله حكما على الأدلة الشرعية؛ فقد نشرت جامعة كامبرديج بحثا قبل أكثر من سنة في يونيو/ حزيران 2011 مفاده أن جسم الإنسان يتناقص وأن حجمه نقص بما لا يقل عن 10% خلال عشرة آلاف سنة، وفقا للأحافير المكتشفة، بل أن حجم دماغ الإنسان يتناقص كذلك وليس فقط حجم هيكله! وأقول والعلم عند الله، أنه لو أجرى الباحثون دراسة على حجم دماغ المتطاول لربما تعجبوا من تناقص حجمه فسيولوجيا كتعجب العقلاء من تناقصه معرفياً.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين..

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)

وكتبه/ فيصل بن فالح الميموني
@AlmaymonyF